محمد علي صنوبري: كيف دمرّت الهجمات الصاروخية الإيرانية القواعد العسكرية للاحتلال وعطلت دفاعاته الجوية كاملة
د. محمد علي صنوبري- إن العملية الصاروخية الإيرانية “الوعد الصادق 2” تشكل لحظة حاسمة في الاستراتيجية العسكرية الحديثة، وتمثل حدثاً محورياً في الصراع الدائر بين إيران والاحتلال الصهيوني. لقد تجاوزت هذه العملية، التي تعتبر واحدة من أهم الضربات ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود، الحرب التقليدية ودفعت حدود التكتيكات القتالية الحديثة إلى مستويات غير مسبوقة. لأكثر من 75 عاماً، أظهر الكيان الصهيوني، بدعم غربي واسع النطاق، صورة الكيان الذي لا يقهر، وخلق أسطورة عن كيان محصن بالتفوق العسكري. ومع ذلك، فإن الضربة الإيرانية وعملية طوفان الأقصى السابقة قد فككت هذه الأسطورة، وكشفت عن نقاط الضعف داخل جهاز الدفاع الإسرائيلي.
لعقود من الزمان، كان الاحتلال الصهيوني مدعوماً من قبل حلفائه، وخاصة الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، باعتباره حصناً منيعاً في الشرق الأوسط. وقد ساهمت التطورات التكنولوجية والقدرات الاستخباراتية وأنظمة الدفاع، وخاصة القبة الحديدية، في هذه الرواية. ولكن عملية الوعد الصادق 2 أوضحت أن هذا التصوير أقرب إلى صورة مصطنعة منه إلى حقيقة لا يمكن اختراقها.
وكان أحد الجوانب الأكثر كشفاً للهجوم هو تأثيره على المنشآت العسكرية الرئيسية في كيان الاحتلال. واعترفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، بما في ذلك صحيفة معاريف، على مضض بالخسائر الكبيرة التي تكبدتها. وشملت هذه الأضرار الجسيمة التي لحقت بقاعدة نيفاتيم الجوية العسكرية في صحراء النقب، والتدمير في قاعدتي تل نوف وحاتسريم، والأضرار التي لحقت بمقر الموساد. ويمثل هذا الاعتراف صدعاً نادراً في استراتيجية الكيان الصهيوني المعتادة في التقليل إلى أدنى حد من الأضرار التي لحقت به أثناء الهجمات أو إخفائها.
إن قدرة إيران على ضرب قلب الشبكات العسكرية والاستخباراتية للإحتلال تسلط الضوء على التحول في الحرب. ولم تكن العملية تتعلق فقط بالتدمير المادي للأصول العسكرية؛ بل كانت بمثابة عرض للطبيعة المتطورة والمنسقة للحرب الهجينة الحديثة، التي تنطوي على مزيج من الصواريخ والهجمات الإلكترونية والعمليات النفسية.
كان أحد العناصر الأكثر بروزاً في عملية الوعد الصادق 2 هو الدور المركزي الذي لعبته الحرب الإلكترونية. إن قدرة إيران على تعطيل القبة الحديدية، نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي الشهير، تكشف عن الأهمية المتزايدة للقدرات السيبرانية في الصراعات العسكرية الحديثة. لقد كانت القبة الحديدية، المصممة لاعتراض الصواريخ، رمزًا للهيمنة التكنولوجية للكيان المحتل. ومع ذلك، تمكن القراصنة الإيرانيون، باستخدام بيانات تم الحصول عليها مسبقًا من اختراق رافائيل، إحدى الشركات المسؤولة عن تصميم النظام، من التسلل إليها وتحييدها.
لقد أدى الهجوم على فاير آي، وهي شركة غربية تشارك في البنية التحتية الدفاعية الإسرائيلية وخصوصاً القبة الحديدية ومقلاع داوود، إلى تفاقم فشل نظام الدفاع الإسرائيلي. لقد سمح تعطيل الرادارات وقاذفات الصواريخ لأكثر من 90٪ من الصواريخ الإيرانية بضرب أهدافها المقصودة. وهذا يمثل تحولًا نموذجيًا في كيفية خوض الحروب، حيث أصبح الفضاء الإلكتروني ساحة معركة حاسمة. إن القدرة على شل أنظمة دفاع الخصم عن بعد، هي شهادة على الطبيعة المتطورة للحرب التي تخوضها إيران ضد كيان الاحتلال وتغير دراماتيكي في ميزان القوى لصالح إيران.
وعلاوة على ذلك، لم ينته العنصر السيبراني بتعطيل أنظمة الدفاع لإن القوات الإيرانية اخترقت كذلك أنظمة الرسائل النصية القصيرة في الأراضي المحتلة، وأرسلت رسائل إلى سكان الأراضي المحتلة، وطمأنتهم كذباً بأن الهجوم انتهى وأنهم يستطيعون مغادرة ملاجئهم. وقد أدى هذا التكتيك في الحرب النفسية إلى تضخيم الارتباك والذعر على الأرض، الأمر الذي أدى إلى زعزعة استقرار الاستجابة الداخلية لقوات الاحتلال.
في حين كانت الضربات الصاروخية والهجمات الإلكترونية التي شنتها إيران مدمرة، فإن العملية البرية المتزامنة التي نفذها مقاتلو حماس في محطة قطار في تل أبيب كانت مهمة كذلك. ومع تركيز الدفاعات الإسرائيلية على التهديد الجوي، أظهر الهجوم البري فعالية الهجمات المنسقة على جبهات متعددة. إن القدرة على تنفيذ مثل هذه العملية المتزامنة، والجمع بين الضربات الصاروخية والهجمات الإلكترونية والهجمات البرية، تمثل فصلاً جديدًا في الحرب غير المتكافئة ضد الكيان الصهيوني.
كان هذا الهجوم البري، عنصراً حاسماً في الاستراتيجية الشاملة لمحور المقاومة ككل. فقد أظهر الوحدة العملياتية بين الفصائل المختلفة المتحالفة ضد الاحتلال، مما عزز فكرة أن الحرب الحديثة ليست محصورة في مجال واحد. إنها تقارب بين عناصر مختلفة، إلكترونية وجوية وبرية، تعمل جنباً إلى جنب لتحقيق أهداف استراتيجية.
أحد الجوانب المذهلة لهذه العملية هو الفشل الواضح للتكنولوجيا والاستخبارات الغربية في حماية كيان الاحتلال من مثل هذا الهجوم. على مدى عقود من الزمن، ضخ الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، مليارات الدولارات في أنظمة الدفاع الإسرائيلية. وقد ساعد هذا الدعم المالي والتكنولوجي في بناء سمعة إسرائيل كقوة لا تقهر في المنطقة. ومع ذلك، كشفت عملية الوعد الصادق 2 عن خرافة هذا التفوق.
كان رد فعل الغرب خافتًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى الإحراج الناجم عن فشل أنظمة مثل القبة الحديدية و FireEye في العمل كما هو مطلوب. أثار حجم الضرر الهائل وفعالية الهجوم الإيراني تساؤلات حول موثوقية هذه الأنظمة في مواجهة التهديدات السيبرانية والصاروخية المتزايدة التعقيد.
كما تؤكد العملية على تحول أوسع في ديناميكيات القوة العالمية. فمع استمرار إيران في بناء قدراتها الصاروخية والسيبرانية، فإنها تتحدى ليس فقط كيان الاحتلال ولكن أيضًا الهيمنة الغربية الأوسع في المنطقة. إن الاعتماد على التكنولوجيا وحدها، دون معالجة الحقائق السياسية والعسكرية على الأرض، يثبت أنه استراتيجية معيبة.
إن عملية الوعد الصادق 2 تقدم العديد من الدروس الرئيسية للحرب الحديثة. أولاً، تسلط العملية الضوء على الأهمية المتزايدة للقدرات السيبرانية في تشكيل نتائج الصراعات. إن القدرة على تعطيل أنظمة دفاع الخصم عن بعد يمكن أن ترجح كفة الميزان بشكل كبير في أي مواجهة عسكرية. وهذا صحيح بشكل خاص في الحرب غير المتكافئة، حيث قد لا يتمتع أحد الجانبين بنفس مستوى القوة العسكرية التقليدية ولكنه يمكن أن يعوض من خلال الابتكار التكنولوجي.
ثانياً، توضح العملية الحاجة إلى عمليات منسقة متعددة المجالات. أظهرت الضربات الصاروخية المتزامنة والهجمات السيبرانية والهجمات البرية كيف يمكن دمج عناصر مختلفة من الحرب لإرباك الخصم. يتطلب هذا المستوى من التنسيق ليس فقط الخبرة الفنية ولكن أيضًا التخطيط والتنفيذ المتطور. ثالثا، يسلط الهجوم الضوء على ضعف بنية أنظمة الدفاع الغربية كلها.
تمثل عملية الوعد الصادق 2 لحظة مهمة في الصراع الدائر بين إيران وكيان الاحتلال. فقد حطمت أسطورة الكيان الذي لا يقهر، وكشفت عن نقاط الضعف في أنظمتها الدفاعية وسلطت الضوء على الأهمية المتزايدة للحرب السيبرانية في الصراعات الحديثة. وبينما كافح الكيان الصهيوني في أعقاب هذا الهجوم، فإن الآثار الأوسع نطاقاً على الاستراتيجية العسكرية العالمية واضحة هي أن هذا الكيان ليس محصناً وأن إيران وحماس وحزب الله أسقطوا جميع الأساطير الغربية والإسرائيلية والمواجهات القادمة ستكون أكثر تدميراً ودموية له.
مدير ورئيس تحرير مركز الرؤية الجديدة للدراسات الاستراتيجية